Muslim عضو " مميز "
عدد المساهمات : 74 النقاط : 194 تاريخ التسجيل : 17/01/2010
| موضوع: أهمية العقيدة فى حياة المسلم الأحد يناير 17, 2010 11:05 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية العقيدة
الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد
إن الحمد لله.. أما بعد: من المسلَّمات لدينا أن البشر عقولهم قاصرةٌ عن أن تدرك طريق الصلاح بمفردها، أو تستبين سبيل الرشاد بذاتها. إنها لا تستطيع أن تجلب لنفسها نفعاً أو تدفع ضراً. بل ومن المسلَّمات أنه لا يرتفع عن النفوس الشقاء، ولا يزول عن العقول الاضطراب، ولا ينـزاح عن الصدور القلق والحرج، إلا حين تُوقن البصائر، وتُسلم العقول بأنه سبحانه هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الجبار المتكبر الذي له الملك كله، وبيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، قال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [(112) سورة البقرة] وقال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [(125) سورة النساء]. فيا أخي الحبيب: هذه أربعة عشر نقطة عن التوحيد وأهمية العقيدة فأرعني سمعك بارك الله فيك: أولاً: إن إسلام الوجه لله وإفراده بالعبادة يرتقي بالمؤمن في خُلقه وتفكيره ويُنقذه من زيغ القلوب، وانحراف الأهواء، وظلمات الجهل، وأوهام الخرافة، ينقذه من المحتالين والدجالين، وأحبار السوء ورهبانه ممن يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، ويحفظ الإنسان من الانفعالات بلا قيد أو ضابط. توحيد الله هو العبودية التامة له وحده سبحانه تحقيقاً لكلمة الحق: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" في لفظها ومعناها والعمل بمقتضاها، يقيم المسلم عليه حياته كلها، صلاته ونسكه ومحياه ومماته. توحيدٌ في الاعتقاد، وتوحيدٌ في العبادة، وتوحيدٌ في التشريع، توحيدٌ تُنَقَّى به القلوب والضمائر من الاعتقاد في ألوهية أحد غير الله، وتُنَقَّى به الجوارح والشعائر من أن تُصرف لأحد غير الله، وتُنَقَّى به الأحكام والشرائع من أن تتلقاها من أحدٍ دون الله -عز وجل-. التوحيد هو أول الدين وآخره، وظاهره وباطنه، وقطب رحاه، وذروة سنامه، قامت عليه الأدلة، ونادت عليه الشواهد، وأوضحته الآيات، وأثبتته البراهين، نصبت عليه القبلة، وأُسست عليه الملة، ووجبت به الذمة، وعُصمت به الأنفس، وانفصلت به دار الكفر عن دار الإسلام، وانقسم به الناس إلى سعيدٍ وشقيٍّ ومهتدٍ وغوي. ثانياً: لقد كانت عناية القرآن بتوحيد الله عظيمة فهو القضية الكبرى، ومهمة الرسل الأولى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [(36) سورة النحل]. {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [(45) سورة الزخرف]. فالقرآن كله حديثٌ عن التوحيد، وبيان حقيقته والدعوة إليه، وتعليق النجاة والسعادة في الدارين عليه. حديثٌ عن جزاء أهله وكرامتهم على ربِّهم، كما أنه حديثٌ عن ضدِّه من الشرك بالله وبيان حال أهله وسوء منقلبهم في الدنيا، وعذاب الهون في الأخرى {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [(31) سورة الحـج]. {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] والأوامر والنواهي ولزوم الطاعات وترك المحرمات هي حقوق التوحيد ومكملاته. إن بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ورسالته وسيرته من أولها إلى آخرها، مكيِّها ومدنيِّها، حضرها وسفرها، سِلمها وحربها كلها في التوحيد منذ أن أُمر بالإنذار المطلق في سورة المدثر{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [(5) سورة المدثر] إلى الأمر بإنذار العشيرة {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [(213-214) سورة الشعراء] إلى الأمر بالصدع بالدعوة {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [(94) سورة الحجر] ثم من بعده الأمر بالهجرة {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا } [(40) سورة التوبة] والإذن بالقتال والجهاد {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهٌُ} [(40) سورة الحـج] إلى فتح مكة حين كسرت الأصنام {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [(81) سورة الإسراء] إلى الإعلام بدنو الموت {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [(3) سورة النصر] وقال وهو في مرض موته: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) لم تخلُ فترةٌ من هذه الفترات البتة من إعلان التوحيد وشواهده ومحاربة الشرك وظواهره، ويكاد ينحصر عرضُ البعثة كلِّها في ذلك، فما ترك -عليه الصلاة والسلام- تقريرَ التوحيد وهو وحيدٌ، ولا ذهل عنه وهو محصورٌ في الشعب، ولا انصرف عنه وهو في مسالك الهجرة والعدو مشتد في طلبه، ولا قطع الحديث عنه وأمره ظاهر في المدينة بين أنصاره وأعوانه، ولا أغلق باب الخوض فيه بعد فتح مكة الفتح المبين، ولا اكتفى بطلب البيعة على القتال عن تكرار عرض البيعة على التوحيد ونبذ الشرك، فهذه سيرته المدونة وأحاديثه الصحيحة، والقرآن من وراء ذلك كله. من أجل هذا كان التوحيد أولاً ولا بد أن يكون أولاً في كل عصر وفي كل مصر، أما أركان الإسلام الخمسة الكبرى ومعالمه العظمى فشرعت لتعلن التوحيد وتجسده وتقرره وتؤكده تذكيراً وتطبيقاً، وإقراراً وعملاً. فالشهادتان إثبات للوحدانية، نفيٌ للتعدد وحصرٌ للتشريع والمتابعة في شخص المرسَل المبلِّغ محمد -صلى الله عليه وسلم-. الصلاة مفتتحةٌ بالتكبير المنبئ عن طرح كل من سوى الله عز شأنه واستصغار كل من دون الله -عز وجل-. ناهيك بقرآن الصلاة وأذكارها في منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [5: الفاتحة] أما الزكاة فهي قرينة الصلاة في التعبد والاعتراف للرب الجليل وإخراجها خالصة لله طيبة بها النفس براءةً من عبادة الدرهم والدينار {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [(7-6) سورة فصلت] أما الصيام الحق فهو الذي يدعُ الصائمُ فيه طعامه وشرابه وشهوته من أجل ربه ومولاه. أما الحج فشعار الأمة كلها في بطاح مكة فهو التلبية بالتوحيد ونفي الشرك. ثالثاً: ما كانت هذه الأدلة المتكاثرة، والحجج المتضافرة، والبراهين المتوافرة في شأن التوحيد، إلا لعظم الأمر، وخطر شأن القضية، وشدة الخوف على الناس من الانحراف والقلوب من الزيغ. ولماذا لا يُخاف عليهم والشياطين ما فتئت تترصد لبني آدم تجتالهم وتُغويهم؟ وفي الحديث القدسي: ((خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرَّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يُشركوا بي ما لم أنزِّل به سلطاناً)). [أخرجه مسلم من حديث عياض المجاشعي]. كيف لا يكون الخوف والرسول-صلى الله عليه وسلم- خاطب أصحابه الصفوة المختارة من الأمة: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)) ويزداد الخوف حين يتأمل المتأمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل)) بل لقد أخبر -عليه الصلاة والسلام-: ((أن فئاماً من الأمة تعبد الأوثان وقبائل تلحق بالمشركين)) لماذا لا يُخاف الخلل في التوحيد والنقص في صدق التعبد والتعلق؟ لماذا لا يُحذر من الشرك وأنواعه وأسبابه والله يقول في محكم تنـزيله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [(106) سورة يوسف]؟ فانظروا في السحر والشعوذة والتطير والتشاؤم والرقى والتمائم، والحلف بغير الله في صور لا تكاد تُحصر. والغلو في الصالحين، ناهيك بدعاء غير الله، وطلب الغوث من المقبورين، والطواف حول الأضرحة، يدعون عندها ثم يدعونها، ويعلقون عليها القناديل والسرج والستور، ويذبحون عندها ولها، ويتمسحون، ويتطور الحال حتى يتخذونها أعياداً ومنسكاً ولا حول ولا قوة إلا بالله. وصورةٌ جديدةٌ من صور الخلل في التوحيد باءت بها فئات من المنتسبين إلى الإسلام تزعم الثقافة والاستنارة لا ترضى بحكم الله ولا تسلم له، بل إن في قلوبها لحرجاً، وفي صدورها لغيظاً وضيقاً، إذا أقيم . | |
|